[نشرت هذه الدراسة في مجلة “ميدل إيست ريبورت” 262، ربيع 2012، وترجمتها من الإنجليزية سهى فاروق.]
قبل ان يطرد حسني مبارك من منصبه، وبعد ذلك ايضاً، ظل حجم حصة الجيش المصري في الاقتصاد موضع جدلٍ كبير. فمن المعروف أن الجيش يشارك في تصنيع كل شئ، ابتداءاً من زيت الزيتون وتلميع الأحذية، وانتهاءاً بمراكز الاقتراع، التي استخدمت في الانتخابات البرلمانية المصرية لعام 2011، ولكن لا أحد يعلم (على وجه اليقين) مدى سيطرة الصناعات العسكرية على اقتصاد البلاد. وقد نقلت تقارير اخبارية أن أحد "الخبراء" يقدرها على مستوى الخريطة بحوالي من خمسة بالمئة الى أربعين بالمئة أو أكثر. فيما أشار وزير التجارة السابق، رشيد محمد رشيد، الموجود حالياً في المنفى، مدفوعاً إلى مغامرةٍ تخمينية من قبل صحيفة “نيويورك تايمز” إلى أنها "أقل من عشرة بالمئة“ (1). وأفادت مجموعة واسعة من الشخصيات باستحالة قياس أثر ما أسماه الباحث روبرت سبرنجبورج "الشركة العسكرية" (2)، حيث لا يقتصر الأمر على تصنيف ممتلكات الجيش باعتبارها من أسرار الدولة – فقد يسجن الصحفيون في حالة تقديم تقارير عنها - وإنما أيضاً لتوسعها وتشعبها، ولا يمكن الوثوق بشكل كامل في أي تقديرلها.
تتمثل مصالح الجيش التجارية في أقدم المصانع التي تديرها وزارة الإنتاج الحربي، والهيئة العربية للتصنيع (AOI)، وجهاز مشروعات الخدمة الوطنية (NSPO). كما يشرف الجيش على العديد من الشركات التابعة للشركات القابضة المملوكة للدولة، ويملك أسهماً في مشاريع القطاعين العام والخاص. في كثير من الحالات، تعتبر هذه العمليات الصغيرة جزء لا يتجزأ من مجموعات الشركات العابرة للقارات، والتي تشمل قطاعات اقتصادية عدة، من البناء والشحن البحري إلى تصنيع الأسلحة.
كان ضباط الجيش رفيعي المستوى في السابق، هم أمناء "التصنيع باستبدال الواردات"، وغيرها من سياسات الدولة التي كان ينتهجها الرئيس جمال عبد الناصر. تقليدياً، يُعتقد أن الجيش المصري يسعى لدعم موروثات عهد عبد الناصر المتمثلة في القطاع العام كبير الحجم، والسياسات التجارية الدفاعية. وقد عززت انتفاضة 2011 هذا الاعتقاد، ولا سيما بعد طرد جمال مبارك والمحيطين به، باعتبارهم العقول المدبرة للإصلاح العدواني النيوليبرالي الذي نُفذ في إطار رئاسة أحمد نظيف لمجلس الوزراء خلال الفترة (2004-2010) ولربما قام هذا البرنامج، في حال استمراره، بتفكيك آخر مؤسسات القطاع العام في مصر، والتي يقوم الجيش بتسيير أعمال الكثير منها. ويعتقد كذلك، أن الجيش قد طرد جمال جزئياً من أجل الحفاظ على هذه العمليات. وقد أبرق مسؤولون أمريكيون هذا التحليل قبل سنوات: في إحدى برقيات وزارة الخارجية بتاريخ سبتمبر 2008 التي نشرتها ويكيليكس، دعت (مارغريت سكوبي) سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية في مصر آنذاك، التكتلات العسكرية بأنها "شبه تجارية"، وخلصت إلى أنه كان ينظر إلى خطط الحكومة للخصخصة بإعتبارها "تهديداً لموقف [الجيش] الاقتصادي"، وأن الجيش "يعارض بشكل عام الإصلاحات الاقتصادية". وقد قدم (فرانك ريتشاردوني) السابق لسكوبي، حجة مماثلة في برقية بتاريخ مارس 2008:" يعتقد (المشير حسين) طنطاوي أن خطة مصر للإصلاح الاقتصادي تعزز عدم الاستقرار الاجتماعي من خلال تقليل رقابة (الحكومة) على الأسعار والإنتاج".
منذ الإطاحة بعائلة مبارك في فبراير2011، حاولت الولايات المتحدة دفع المجلس الأعلى للقوات المسلحة (SCAF)، باعتباره حاكم مصر بحكم الواقع، إلى شيء من قبيل السير في طريق جمال مبارك. حيث ادعى الرئيس باراك أوباما، في خطابه بتاريخ 19 مايو 2011 حول منطقة الشرق الأوسط: أن الولايات المتحدة قد طلبت بالفعل من صندوق النقد والبنك الدوليين وضع خطة لتحقيق الاستقرار وتحديث الاقتصاد المصري. وقال أوباما ايضاً: إن الولايات المتحدة شطبت مليار دولار من الديون المصرية، وسوف "نعمل مع شركائنا المصريين لاستثمار هذه الموارد لتعزيز النمو وروح المبادرة." ومع ذلك، ونتيجةً للضغط الاجتماعي، رفض المجلس العسكري حزمة قروض صندوق النقد الدولي الأولى، مما أثار قلق العديد من المراقبين من عودة مصر إلى نموذج إقتصادي تكون السيطرة الكبرى فيه للدولة.
ولكن، التصرفات اللاحقة للمجلس العسكري تشير إلى عدم دقة تلك المخاوف. حيث بدا الجيش شديد الحرص على تأديب العمال المضربين، في حين لم يستجب المجلس العسكري بشكل سريع لوضع مشاريع قوانين الحد الأدنى والأقصى للأجور، وإضفاء الشرعية على النقابات العمالية المستقلة. ويمكن أيضاً أن ينظر إلى هذه التحركات بإعتبارها استحضاراً لروح عبد الناصر، الذي اعتقل بنفسه قادة الإضراب بعد أقل من شهرين من الانقلاب الذي أوصله إلى منصبه، إلا أن الجيش لم يقرن هذه الحملة مع غيرها من التدابير التي أثنى عليها كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وأصدر حكام مصر العسكريين المؤقتين شرائح من سندات الخزينة المقيّمة بالدولار للوقاية من التضخم، وطمأنة المستثمرين، على سبيل المثال، ورفضوا رفع سقف ديون مصر. كما تم استبدال وزير المالية سمير رضوان - وهو أحد أركان الحزب الوطني القديم الذي كان قد طرح ميزانية توسعية تزيد من النفقات الاجتماعية والأجور - بحازم الببلاوي، أحد المدافعين الأقوياء عن السوق الحرة الليبرالية، و"ترشيد" دعم الدولة على المواد الغذائية. ويقال إن المجلس العسكري دبر أزمة نقص الوقود والتأخير في تسليم البنزين، (حتى في محطات غاز الوطنية التابعة للجيش نفسه لتوطين الجمهور على خفض الدعم على الوقود). وأخيراً، في ديسمبر، وافق المجلس العسكري "على مضض" على قرض بقيمة 3.2 مليار دولار من صندوق النقد الدولي. ومن المقرر أن تصرف تلك الأموال في وقت قريب من نفاد احتياطيات العملة بالبنك المركزي المصري، لتفادي كارثة اقتصادية وإعطاء الفضل إلى الجيش. في الوقت نفسه، فقد حابى المجلس العسكري اللاعبين السياسيين الذين يرون مصلحة مصر مماثلة لرؤية هؤلاء المخططين الاقتصاديين للجيش. فيُكافئ القابلين لهذا المنطق، بدخول مؤسسات الدولة المعاد تشكيلها. في حين يتم التهكم من الأصوات الرافضة لهذه الرؤية، مثل المنظمات العمالية المستقلة والتظاهرات من أجل العدالة الاجتماعية، باعتبارها فئوية - انقسامية وضيقة.( 3).
يبدو واضحاً، فيما مضى: أنه في الوقت الذي قاوم فيه التجمع الصناعي العسكري الخصخصة التي انتهجتها حكومة أحمد نظيف، فقد استندت هذه المقاومة على اثنين من المخاوف، أولاً: أن العمليات العسكرية ستكون التالية على لوح الفرم، وثانياً: أنه سوف تتمكن قلة من القطاع الخاص المقربة من جمال من حجب الشركة العسكرية في الاقتصاد السياسي في مصر. كانت مناقصات الخصخصة هي السلع المستثناة، وقد حصل الأصدقاء المقربون من جمال على المزيد منها، في حين ما زال الأقل للشركات العسكرية، التي حرصت جاهدة للحصول عليها.
الآن، وبعد عام من تولي المجلس العسكري السلطة التنفيذية، واجه العديد من المقربين لجمال التحقيق أو البقاء في المنفى، ويبدو أن المسار الاقتصادي لمصرشبيهاً بعام (2010). ولم يعد التكنوقراط المنعمون يأمرون المصريين بالتخلي عن أجور المعيشة، وظروف العمل الآمنة والمساءلة السياسية سعياً لتحقيق "النمو الاقتصادي". ولكن، يردد الضباط (أصحاب الرداء الكاكي) الحجة القائلة، بأن العدالة الاجتماعية لا بد أن تنتظر، متهمين المطالبين بها بإخافة السياح والمستثمرين الأجانب. ولايزال القرب من السلطة السياسية هو الطريق الأساسي للامتيازات الاقتصادية، كما لاتزال الدوائر التقليدية للدولة المتدخلة - موظفي الدولة، والفلاحين وفقراء المدن – على الهامش. جنباً إلى جنب مع رأس المال العابر للحدود، ويسعى الجيش لاحتكار الأسواق حتى وإن كان يتحدث عن السوق الحرة بإعتبارها الدواء. وربما تقوم الشركة العسكرية مقام آل مبارك بشكل أفضل: مع خروج الحلفاء الرأسماليين المحسوبين على جمال من الطريق، لم يعد هناك أي منافس من ذوي الطموحات المتوازية مع شهية الجيش للتوسع الاقتصادي.
توسيع المحفظة الإستثمارية
بدأ الجيش المصري يتغلغل في القطاع الخاص منذ حوالي عقدين من الزمن، على الرغم من نزعته الناصرية. ومن المعروف تفوق الشركات العسكرية في صناعة الأسلحة الحربية، وعلى الرغم من صغر السوق الخارجية من الناحية التاريخية، يتواصل تصنيع أنظمة السلاح من خلال خطوط تجميع الجيش بمعدلات تزيد حتى على ما تستطيع أن تستوعبه دولة بوليسية قوية من تضخمٍ لمخزون المستودعات. حيث تعتقد بعض الشركات المصنعة للأسلحة أن "التصدير هو مستقبلنا" (4)، ولكن تقليل المخاطر يفرض على الجيش تنويع العمليات الاقتصادية لمحفظته.
وعليه فقد دشنت الشركة العسكرية، مشاريع في قطاعات مختلفة من النقل البحري إلى النفط والغاز والطاقة المتجددة. خلافاً لسمعة الجيش باعتباره من ركائز الحمائية، تصنف مشاريعه بالتعاونية حيث تضم شركاء من تكتلات الخليج، فضلاً عن الشركات متعددة الجنسيات الغربية والآسيوية. على شاكلة أقطاب القطاع الخاص المدنية في مصر، يستغل كبار الضباط نفوذهم السياسي، وامتيازاتهم التي تمكنهم من الوصول إلى المدخولات الاقتصادية التي تجذب المستثمرين الأجانب ذوي التدفقات المالية واتفاقيات نقل التكنولوجيا التي تدعم الميزانية العامة. ويبدو أن استراتيجية الاستثمار العسكرية تجني فوائد جمة: فلم يكتف المجلس العسكري فقط "بإقراض" البنك المركزي المصري مليار دولار في شهر ديسمبر وحسب، لكنه تمكن أيضاً من صرف مكافآت شهرية كبيرة للصف الثاني من أفراد الجيش تعادل 400 دولار منذ بدء الانتفاضة ضد مبارك(5).
وكان الجيش قد شرع في تنويع استثماراته قبل الانتفاضة بمدة طويلة، من خلال التوسع في قطاعات مثل: التطوير العقاري وتأجير المعدات الثقيلة، حيث توفر له أرصدته الهائلة من أراض وبنية تحتية ورأس المال مزايا كبيرة، بالإضافة إلى الشركات المملوكة للقطاع الخاص والتي تشكل ما أصبح يعرف باسم "الاقتصاد العسكري". اغتنمت مخالب الجيش أيضاً، حصص كبيرة من القطاع العام المدني كجزء من عملية "الخصخصة" في 1990 . فعلى سبيل المثال، سلمت شركة ترسانة الاسكندرية إلى وزارة الدفاع في أغسطس 2007، وهي تنتج الآن السفن التجارية الكبيرة والسفن الحربية، وتقدم خدمات التصليح لشركات الشحن الخاصة. وبالمثل، تملك الآن الهيئة العربية للتصنيع التي يسيطر عليها الجيش مئة بالمئة من مصنع مهمات السكك الحديدية "سيماف" الذي عرض في البداية للخصخصة عام 2002. ولكن، تمكنت الاستثمارات المشتركة مع الشركات الخليجية والشركات المتعددة الجنسية التابعة من إعطاء دفعة غير مسبوقة لمشروع تنويع استثمارات الجيش.
أثبتت مجموعة محمد عبد المحسن الخرافي الكويتية وأولاده - التي احتل مؤسسها المركز السابع على قائمة الأثرياء لعام 2010 في مجلة أرابيان بيزنس (الأعمال العربية)- حرصها على الشراكة بشكل خاص. حيث انضمت ومنذ عام 2001، إلى عدد من مشاريع الجيش المصري، بما في ذلك الشركة العربية لصناعة الكمبيوتر، المنتج الأوحد لأجهزة الكمبيوتر وأجهزة الكمبيوتر المحمولة في مصر، والتي يملك الخرافي 71 بالمئة من أسهمها في حين تملك كل من وزارة الإنتاج الحربي والهيئة التابعة لها 5 بالمئة لكل منهما. وبدأت الشركة التي اعتمدت على الشركة التايوانية (AOPEN) من أجل مدخلات التكنولوجيا، برأس المال يقدر 140 مليون دولار وتنتج 750000 جهاز كمبيوتر سنوياً (6) تسيطر الخرافي، عن طريق شركة تابعة، على نحو 60 بالمئة من الشركة العالمية لصناعة المواسير، والتي تمتلك وزارة الإنتاج الحربي 10 بالمئة منها. تعد هذه الشركة أكبر منتج لأنابيب النفط والغاز في المنطقة، حيث سجلت مبيعات بحوالي 104 مليون دولار في عام 2008، كما وصفها الوزير السابق للإنتاج الحربي، سيد مشعل، بأنها "نموذج للتعاون" بين الدولة والقطاع الخاص (7). أدار الجيش والخرافي أيضاً، عملية تسمى (Maxalto)، والتي تعتمد على تكنولوجيا من الشركة الألمانية (شلمبرجير) لتصنيع البطاقات الذكية. وبالإضافة إلى ذلك، يوجد عدد من المشاريع المشتركة بين الشركات التابعة لمجموعة الخرافي وأقسام من الشركات القابضة المملوكة للدولة التي ينظر إليها على نطاق واسع بأنها تحت رعاية الجيش.
المشاريع المشتركة
يتميز الجيش المصري بقدرته على جذب شركاء الاستثمار الأجنبي بشكلٍ جيد. وذلك لأن جزءاً كبيراً من القطاعات الاقتصادية التي يسيطر عليها بشكلٍ قوي، هي أيضاً تلك التي لديها امكانيات كبيرة للربح. تشمل هذه القطاعات النقل البحري والجوي والنفط والغاز، والمشاريع البيئية الصناعية مثل معالجة مياه الصرف الصحي وتوليد الطاقة المتجددة. وقد واصلت القوات العسكرية المصرية بنشاط الشراكات مع شركات الخارج في كل من هذه القطاعات، في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المقام الأول، وهي آلية لاقتصاديات التنمية تلبي أيضا قيود مخططي السياسات النيوليبرالية. فسهّل اجتماع كل من الضخ الكبير لرأس المال من البنوك المملوكة للدولة، إلى جانب قروض المؤسسات المالية الدولية وتكثيف الخصخصة في أثناء رئاسة أحمد نظيف لمجلس الوزراء، الجهود التي يبذلها الجيش لإقامة مشاريع مشتركة مع الشركات خليجية والشركات الأجنبية متعددة الجنسيات.
تاريخياً، تمكّن الجيش (في كثير من الأحيان) من إثبات أهمية دوره في الاقتصاد من خلال تسليط الضوء على الطبيعة الاستراتيجية لبعض القطاعات، مثل النقل البحري، الذي ظل في مأمن من ضرورات الخصخصة لفترة طويلة. ففي أواخر (1990) قام وزير قطاع الأعمال العامة "عاطف عبيد" بقصر الخصخصة على 10 بالمئة فقط من أسهم شركات النقل البحري، بعد أن كشف السفير الإسرائيلي عن رغبة الشركات الإسرائيلية في شراء واحدة من شركات الشحن والتفريغ المملوكة للدولة في مصر(والتي يديرها الجيش على الأرجح). ووسط الاعتقادات بتعمد المالكين الإسرائيليين منع مصر في الحصول على التكنولوجيا الجديدة من أجل الإبقاء عليها كدولة متخلفة، تمكن الجيش من طرح نفسه كضامن للأصول الوطنية الحيوية. وفي النهاية، قررت الحكومة تأجيل خصخصة النقل البحري تماماً(8). ولكن، ذلك قد أدى الى تجدد الضغوط من أعضاء منظمة التجارة العالمية بالتوازي مع مصالح الشحن الرئيسية لاعتماد الحكومة للخطة الرئيسية (2001-2017) لتوسيع نطاق تحرير الأنشطة البحرية. وشملت هذه الخطة تنفيذ "نموذج المالك"، حيث تؤدي شركات القطاع الخاص الكثير من وظائف الميناء، بشرط أن تبقى تحت إشراف كيان "مستقل" (ولكن لا يزال الميناء مملوكاً للدولة)، حيث يهدف ذلك إلى تحقيق الربح (9). وبحلول منتصف العقد، عانت الموانئ في مصر مما أسماه تقرير الوكالة الأمريكية للتنمية لعام 2008 "بالتدافع للاستثمار" والذي شمل استثمارات جديدة وافرة من أكبر أربعة تكتلات في العالم البحري: الدنماركية (مولر ميرسك)، والفرنسية (CMA CGM)، (كوسكو باسيفيك) والشركة القابضة لموانئ (هوتشيسون)، وكلاهما من هونغ كونغ. وعلى الرغم من تملك هذه الشركات العالمية الآن غالبية الأسهم في شركات النقل البحري المصري، تمكن الجيش من تأمين حصص قليلة مهمة، فضلاً عن الوظائف التنفيذية العليا، من خلال الشركة القابضة للنقل البحري والبري المملوكة للدولة في المقام الأول، ومختلف سلطات الموانئ ووزارة النقل البحري، التي يعمل بها العديد من ضباط البحرية وغيرهم من الضباط. (تسيطر الشركة العسكرية أيضاً على مؤسسات شبه حكومية أخرى معنية بالملاحة البحرية، مثل الإتحاد العربي لغرف الملاحة البحرية، التي يرأسها اللواء حاتم القاضي).
تمثّل هذه المشاريع المشتركة عشرات المليارات من الدولارات من استثمارات الشركات الاجنبية، وبنوك الدولة والمقرضين الدوليين، وحتى الحصة القليلة للجيش في هذه الشركات تعتبر من الأصول الأساسية. ويشمل مشغلو الميناء الجديد شركة دمياط الدولية للموانئ، والتي تملك كل من الشركات الفرنسية، والكويتية والصينية الخاصة مجتمعة 70 بالمئة منها جنباً إلى جنب مع نصيب غير معروف لشركة الملاحة العربية المتحدة (وهو مشروع مشترك 50-50 تقريباً بين الشركة القابضة التي يسيطر عليها الجيش والحكومة الكويتية) بالإضافة إلى نسبة 5 بالمئة لهيئة ميناء دمياط، التي يرأسها أيضا ضابط عسكري (10). وبالمثل، تملك هيئة قناة السويس (التي يرأسها اللواء علي أحمد الفاضل ) 12 بالمئة من الأسهم في شركة قناة السويس للحاويات، التي بدأت عملياتها في عام 2004، ومن المساهمين فيها أيضا شركة ميرسك وكوسكو باسيفيك.
من المشاريع المشتركة الكبرى أيضاً، شركة اسكندرية لمحطات الحاويات الدولية، التي يملكها بالأغلبية كل من (هاتشيسون) القابضة للموانئ من هونج كونج وصندوق الملكية الخاصة القائم بالإمارات العربية المتحدة. وقد اُفتتح المشروع عندما كان اللواء عبد السلام محجوب محافظاً للإسكندرية، وهو ضابط سابق في المخابرات وأصبح مدافعاً صاخباً عن التنسيق بين الدولة والقطاع الخاص بعد تعيينه في أواخر 1990، وكان الاتفاق الذي وقعه محجوب والغرفة التجارية المحلية الأداة الرئيسية لهذا التعاون، مما أعطى رجال الأعمال امتيازات كبيرة ( بما في ذلك حرية الوصول إلى الأراضي لأغراض التنمية التجارية )، في مقابل جزء من أرباحهم، والتي كانت مودعة في الحساب الخاص لتنمية المدينة مما سمح للمحافظة بتجنب إرسال عائداتها الضريبية إلى القاهرة(11). في هذه الحالة أيضاً، حافظت المصالح العسكرية على ملكيتها لـ 5 بالمئة من خلال هيئة ميناء الإسكندرية. وأشاد رئيس هيئة الميناء، اللواء محمد يوسف، بإدخال مصالح الشحن الأجنبية، مشيراً إلى أن سياسة الحكومة "لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة من خلال الشراكة مع الشركات متعددة الجنسيات" سوف تفيد قطاع النقل من خلال نقل الخبرة "وأفضل الممارسات " في مجال الإدارة ، فضلاً عن إدخال التكنولوجيا الجديدة والمزيد من حركة الحاويات(12).
تملك سلطات الموانئ المختلفة أسهماً في مشاريع البنية التحتية البحرية الفردية والقطاعات التكميلية (مثل التأمين على الشحن) جنباً إلى جنب مع المستثمرين الأجانب. من هذه المشاريع صفقة تجميع حفار مع مجموعة شركات (دامن) الهولندية، والآخر هو قناة السويس للتأمين، التي يملك أغلبيتها الآن صندوق الاستثمار المشترك الصيني- المصري، واستثمارات الواحة الخضراء. ويستفيد الجيش بشكلٍ رائع من هذا التدفق من المعدات والاستثمار والتكنولوجيا، حيث أنه لا يسيطر فقط على حصص في كل من الشركات المشتركة والشركات المملوكة للدولة المنافسة لها، ولكنه يسيطر أيضاً بشكل كبير على الصناعات المرتبطة بها. على سبيل المثال، يوفر الجيش (عن طريق المصنع المذكور لمهمات السكك الحديدية "سيماف") الكثير من المعدات واليد العاملة لبناء السكك الحديدية في مصر، والتي يجري توسيعها من أجل ربط محطات الموانيء البحرية الجديدة مع شبكات السكك الحديدية الداخلية، والتي بدورها سوف تزيد من حجم العمل للعاملين بمشروع الميناء المشترك. يفسر أيضا حجم أرباح الشركة العسكرية من القطاع البحري درجة العنف التي يتعرض لها المضربون وغيرهم من المحتجين حول الموانئ المصرية، والتي أدرجت في كثير من الأحيان في "المناطق الاقتصادية الخاصة" حيث تكون القوانين في أدناها مع ارتفاع الحوافز الضريبية.
البتروكيماويات ومصادر الطاقة المتجددة
في السنوات العشر الماضية، تضاعف حجم احتياطي الغاز الطبيعي في مصر من 36 إلى 76 تريليون قدم مكعب، وفي الفترة 2009-2010، وصلت الاحتياطيات المؤكدة من النفط إلى أعلى مستوياتها على الاطلاق(13). وقد أثارت هذه الإكتشافات ارتفاعاً كبيراً في الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث وقعّت مصر 176 اتفاق نفط وغاز بين عامي (1999 و 2010)، ولكن تم إلغاء أكثر من نصفها فقط في السنتين الأخيرتين من هذا العقد(14). ويمثل قطاع البترول (بما في ذلك التجهيز الأولي) ما يقرب من نصف عائدات تصدير الدولة.
بالتوازي مع النقل البحري، يتمركز الجيش بشكل جيد للاستفادة من الاستثمارات الاجنبية في قطاع الطاقة في مصر، حيث يمارس قدراً من الرقابة الرسمية مماثلاً لوزارة البترول. ويملك الجيش حصصاً في شركة ثروة للبترول، الشركة الوحيدة المملوكة للدولة التي تشارك في أنشطة التنقيب والتطوير. للشركة العديد من المشاريع المشتركة مع الشركات الأجنبية، منها سينو ثروة (عملية حفر مع سينوبك المملوكة للدولة في الصين)؛ ثروة بريدا للخدمات البترولية وشركة ثيكة البترولية (مشاريع مشتركة مع الشركات الايطالية بريدا وايني، على التوالي)، والشركة المصرية- الصينية البترولية لتصنيع وحدات حفر الآبار (ائتلاف تجاري من بتروجيت، ثروة وانبي المصرية وسيتشوان هونغوا لمعدات البترول). تعد الصين وإيطاليا أيضاً من الدول الرئيسية في مجال النقل البحري، حيث يتم تفريغ معظم الصادرات الصينية المتجهة الى أوروبا في ميناء بجنوب إيطاليا في جيويا تاورو. وبالتالي تمثل زيادة حركة المرور المتوجهة الى إيطاليا عبر قناة السويس مصدراً كبيراً للدخل بالنسبة للعسكريين. وفي عام 2000 وقعّت الحكومات الثلاث على اتفاق يهدف الى تيسير حركة المرور عبر القناة، وقد أفاد مسؤولون من هيئة قناة السويس، أنه يمكن تشجيعها من خلال المزيد من "الحوافز الجمركية" التي تمنحها وزارة المالية، وفقا لبرقية وزارة الخارجية المسربة من ويكيليكس.
وقد عقدت الشركات الأجنبية أيضاً، شراكات مع أفضل المنتجين العسكريين في مصر من أجل الحصول على مساحةٍ واسعة من السوق المصرية لمشاريع الطاقة المتجددة وتنظيف البيئة. حيث وقعّت الصين على مذكرة تفاهم مع الهيئة العربية للتصنيع، وذلك للتعاون في مشاريع الطاقة الشمسية والرياح. ولعبت الشركات الأوروبية أيضاً دوراً نشطاً في هذا المجال. كما أبرمت الشركات الألمانية والدانماركية اتفاقات ترخيص ونقل التكنولوجيا مع الهيئة لتوليد طاقة الرياح، في حين أقامت الشركات الاسبانية والكندية شراكة مع الهيئة لبناء مصنع للألواح الضوئية بالقرب من القاهرة. وتشمل المشاريع الأخرى ذات الصلة بالبيئة التي تشارك فيها الشركة العسكرية، معالجة مياه الصرف الصحي، وحرق النفايات ومستلزمات تحويل السيارات للعمل بالغاز الطبيعي. وأبرز التقرير الذي أعدته كلية الهندسة بجامعة القاهرة قدرة الجيش على إنتاج المكونات اللازمة لصناعة الطاقة المتجددة، كما شدد الملحقون التجاريون في العديد من السفارات الأجنبية أيضاً على إمكانيات الاستثمار في هذه المجالات. وقد حققت هذه الأجهزة التسويقية أثرها: استثمرت ألمانيا 50 مليون يورو في إعادة تدوير قش الأرز، وبناء اثنين من المصانع بالتعاون مع الهيئة(15). حيث يُضغط ويُنقل قش الأرز بموجب العقد المبرم مع مؤسسة عسكرية أخرى هي جهاز مشروعات الخدمة الوطنية (16).
وتظهر أيضاً، دوافع الجيش للوصول إلى رأس المال العابر للحدود الوطنية في خطاب وزيرالإنتاج الحربي المعين حديثاً، اللواء علي صبري، الذي أشرف على انفاق مليار جنيه مصري (حوالي 166 مليون دولار) لتوسيع إنتاج الجيش للأسمدة وعمليات معالجة المياه والصرف الصحي في 2006-2008. وعلى الرغم من تشابه العديد من تصريحات صبري مع سلفه بشأن تدريب الشباب الخريجين، والتنمية الصناعية في المناطق النائية، كان مولعاً بالإشارة إلى العديد من الشراكات الخارجية، خصوصاً تلك التي عقدها الجيش مع الولايات المتحدة، روسيا، بريطانيا العظمى، الصين وجنوب أفريقيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا. وفي سيلٍ من المقابلات الصحافية عقب تعيينه، أشار صبري إلى قائمةٍ طويلةٍ من النجاحات العسكرية الاقتصادية، بما في ذلك نمو الإنتاج بنسبة 5 بالمئة في فترة ما بعد اندلاع الانتفاضة، والانتهاء من أول مصنع مصري لدرفلة مسطحات الصلب (الوحيد في المنطقة وفقاً لتصريحات صبري)، وإقامة مجمع صناعي على الطريق الصحراوي شمال شرق القاهرة، وتكثيف المشاريع التجارية المشتركة مع كبرى الشركات العالمية التي كانت "حريصة" على المضي قدماً في التوسع المقرر على الرغم من الاضطرابات السياسية المستمرة.
كما نجح المجلس العسكري أيضاً في استئناف المحادثات حول بعض الشراكات بين القطاعين العام والخاص، والتي تم تأجيلها عندما طالب المستثمرون الأجانب، بتعزيز الضمانات ضد تقلبات العملة والمخاطر السياسية. وتأتي القطاعات الرئيسية المستهدفة من تمويل القطاعين العام والخاص - المستشفيات ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي والطرق - في نطاق السيطرة التقليدية للجيش، وقد احتلت مكانة بارزة في تصريحات صبري لوسائل الاعلام.
المراهنة مع موزع الأوراق
تتمتع التكتلات الأجنبية العاملة مع الجيش، بنفس نظام المزايا الذي تتمتع به شركات الإحتكارية المصرية، بما في ذلك المعاملة التفضيلية في العطاءات للحصول على عقود الدولة، إمتياز الوصول إلى البنية التحتية والخدمات، والإشعار المسبق بتعليق المشاريع. مع ذلك، تكمن الميزة الإضافية في القدرة على الاعتماد على الجنود المصريين لتأمين أصول الشركات، وهو نوع من التأمين لا يمكن أن يقدّمه أي فاعلٍ أخر. خلال عام 2011 ، مُنحت الخرافي الوطنية (جزء من مجموعة كويتية بنفس المسمى) مدرعة دفاعية لحماية تسليم المعدات اللازمة لمشروع محطة الشباب لتوليد الكهرباء، وهو جزء من مشروع شراكة بين القطاعين العام والخاص أقيم في عام 2010، وفقا لنشرة الأخبار الوطنية للخرافي: "وفرت القوات العسكرية المصرية قوات معززة بدبابات، لحماية مواقع عميله الكبرى في الشباب ودمياط ... يستخدم الجيش المصري أيضاً أفراد القوات العسكرية المسلحة لمرافقة عملية نقل قطع كبيرة من المعدات من توربينات الغاز الخاصة بشركة ميناء الاسماعيلية الى موقع الشباب ". وعندما أعلنت عدة دول خليجية، في أعقاب الثورة، حزم المساعدات لمصر على أمل احتواء الغضب الشعبي، أعلنت مجموعة الخرافي اقتراض 80 مليون دولار أخرى لتوسيع نطاق الاستثمارات في البنية التحتية في مصر، بالإضافة إلى نحو 7 مليارات دولار التي يستثمرها التكتل الكويتي بالفعل هناك.
منذ بداية الثورة، بذل قادة الجيش جهداً كبيراً لطمأنة الأطراف الخارجية في أن موانئ ومنشآت النفط والغاز، والمواقع الحيوية الأخرى تعمل بشكل طبيعي تحت مراقبة القوات المسلحة والشرطة (17). وبينما يعزز الجيش قوته الإضافية المتراكمة بإعتباره حاكم مصر الانتقالي، تصبح مزاياه باعتباره شريكاً تجارياً أكثر وضوحاً: لا يحصل المستثمرون الأجانب فقط على جنود لحماية ممتلكاتهم، ولكن أيضاً الصلات السياسية التي كانت دوماً الطريق إلى تحقيق المكاسب الاقتصادية في مصر. قد يصبح الاستثمار الأجنبي في المستقبل أكثر تمركزاً في المشاريع التي يملك فيها الجيش حصة.
ومن جانبه، سوف يعزز الجيش على الأرجح هجمته على القطاع الخاص مع تزايد عدد حلفائه في الخارج. حيث كان الجيش قادراً في الماضي على عرقلة مشاريع تجارية جديدة لأسباب "أمنية"، ولكن مع خسارة رأس مالها السياسي الثمين. اليوم، مع وجود عدد من الكيانات المدنية تحت رحمة تحقيقات الفساد، أصبح الجيش أكثر حرية في إملاء شروطه. مع القدرة على تحديد الفائزين والخاسرين من قمم قيادة الرأسمالية في مصر، وسيحتفظ المجلس العسكري بنفوذ غير قابل للطعن لفترة طويلة بعد العودة الرسمية للحكم المدني.
اختيار الاستبداد
اتسمت الكثير من التكهنات حول دور الجيش المصري في الاقتصاد بالتضليل. لقد قاد عداء اللواءات لجمال مبارك العديد من الناس إلى الإعتقاد بأنهم معارضون لجميع المشاريع النيوليبرالية أيضاً. وقد أخفى هذا التخمين حقيقة أنه، في عصر رأس المال العابر للحدود، يمكن العثور على بصمة الجيش في العديد من الأماكن خارج الشركات القابضة المملوكة للدولة رسميا. حيث وسعت المؤسسة العسكرية محفظتها من خلال إطلاق مشاريع مشتركة وشراء حصص في عمليات خاصة، واستغلال احتكارها على القطاعات المربحة، ومنح مزايا خاصة لشركات أجنبية من أجل إبراز نواياها الإقتصادية الحسنة. ورغم الشكوك حول طمع المجلس العسكري في السلطة السياسية المباشرة، يختلف الأمر بالنسبة لمركزية الصناعات العسكرية التي تديرها في مستقبل مصر الاقتصادي. حيث توفر للواءات ما يقرب من 12 شهراً لترسيخ مؤسساتها بحزم وذلك مما يجعلها غير قابلة للنقل.
إن عدم نزاهة حكم المجلس العسكري لعملية الانتقال السياسي، كانت واضحة منذ لحظة استقالة الرئيس مبارك. وكان أن وفر الغضب من الثروة الفاحشة للمقربين من القطاع الخاص لمبارك، الفرصة الذهبية للجيش للقضاء على المنافسين. وشرع المجلس العسكري في تشكيل الميدان الانتخابي بما يحابي هؤلاء الساسة الذين لا يتعدون على صلاحيات المؤسسة العسكرية الاقتصادية. ومن بين تكتيكاته الرئيسية، حملة مبهرجة ولكن شديدة الإنتقائية لمكافحة الفساد تمكّن فيها المجلس العسكري من تحييد مطالبة الشعب بالعدالة من خلال سجن كبار رجال الأعمال مثل أحمد عز، وثيق الصلة بجمال، والمسؤولون الذين لا يحظون بشعبية مثل وزير الإسكان السابق، إبراهيم سليمان. ومن غير المستغرب ألا يتصدى المدعون لرجال الأعمال المدنيين ذوي الروابط القوية مع الشركات العسكرية ، وكانت تلك إشارة إلى السياسيين لقبول دور الجيش في الاقتصاد أو يتم استبعادهم كلياً.
كما وضع المجلس العسكري أيضاً، قانوناً انتخابياً جديداً، يهدف إلى تقديم المميزات لأنصار الوضع الراهن. فلا يزال ثلث مقاعد مجلس نواب البرلمان مخصصاً للدوائر الإنتخابية الفردية مما يعطي ميزة لنفس سماسرة السلطة المحلية الذين استفادوا من رعاية الحزب الوطني. فيما تم توزيع المقاعد المتبقية وفقاً لنظام التمثيل النسبي، وعلى الرغم من أن هذا النظام يسمح بالتنافس على أساس حزبي، لم يكن يعني طلب المجلس العسكري إجراء انتخابات في وقت قريب جداً بعد استقالة الرئيس مبارك، سوى أن يكون معظم المتنافسين المحتملين في شدة الضعف وغياب التنظيم للقيام بحملات جادة. ومن ثم، كان عملاء الحزب الوطني القديم الفائزين هنا، أيضاً. كما أبقى قانون المجلس العسكري أيضاً على المادة التي تقضي بتخصيص نصف عدد المقاعد في مجلس النواب لـ "العمال والفلاحين"، على الرغم من أنه غالباً ما يسد هذه الفجوات أفراد الجيش والشرطة المتقاعدين. ثم يحتل الفائزون منهم لجان الدفاع والأمن الوطني في البرلمان، وهي الهيئة الوحيدة المسؤولة عن الإشراف الإسمي حتى على الجيش(18).
ويبدو أن الأسلوب العسكري لإدارة الانتخابات قد أتى ثماره. توافق أقوى خصم محتمل للجيش - الحرية والعدالة، حزب الإخوان المسلمين - مع القضايا البارزة، بما في ذلك الانضمام إلى معاهدة السلام مع إسرائيل، وهو شرطٌ لا غنى عنه للحصول على المساعدات العسكرية الأميركية باستمرار. وأعرب نواب الإخوان `أيضاً عن دعمهم لحجب تفاصيل الميزانية العسكرية من زملائهم البرلمانيين الفضوليين (الذين سوف يحصلون فقط على رقم واحد شامل في الميزانية). وحشدت جماعة الإخوان أعضائها للوقوف جنباً إلى جنب مع قوات الأمن التي تواجه مظاهرات كبيرة، كما حدث يوم "ثلاثاء المصير" عندما سار المتظاهرون إلى مبنى البرلمان للمطالبة بتسريع نقل السلطة الى المدنيين.
وكانت النتيجة هي برلمان شديد التوافق مع الجيش في الإدارة الاقتصادية. رغم تأكد حدوث صراع على السلطة بين البرلمانيين ولواءات الجيش، حيث دعمت الأحزاب التي تسيطر على ما يقرب من 87 بالمئة من البرلمان (الحرية والعدالة، والنور السلفي، حزب الوفد والكتلة المصرية) مواصلة السعي نحو النيوليبرالية. أما بالنسبة للجماعات التي رفضت ذلك الإطار، مثل الثورة مستمرة، والتي لا يتجاوز نصيبها 2.5 في المئة من المقاعد. فسيكون تبسيطاً الإعتقاد بأن المجلس العسكري قام بالتلاعب بالنتائج بدقة، لكن من المرجح أنه صمم نظاماً يحقق النتيجة المرغوبة لديه.
بالإضافة إلى تخطيط الانتخابات، شرع المجلس العسكري كذلك، في القمع العلني والمغالطة القانونية لإسكات من تم استبعادهم من الساحة السياسية. فلم يقم لواءات الجيش بتجريم تنظيم الاحتجاجات التي تعطل الاقتصاد، وإلغاء "البلطجة" بشكل حاذق من قائمة الأفعال التي لم يعد يعاقب عليها بموجب قانون الطوارئ فحسب، لكنهم شجعوا أيضاً فكرة أن الإضرابات العمالية تقوّض الاقتصاد الوطني. فيما ذهب حلفاء المجلس العسكري المدنيين إلى أبعد من ذلك من خلال تذكير السكان بتدهور الوضع الاقتصادي، مع قيام رئيس الوزراء كمال الجنزوري بذرف الدموع أمام الكاميرا(19). وفي الوقت نفسه، يواجه المنشقون عقوبة السجن التعسفي والمحاكم العسكرية والتعذيب. بالتوازي مع زرع الخوف والفتنة، حيث يسهم هذا الإكراه كرادع ضد إضرابات العمال ومظاهرات الشوارع التي تتحدى برنامج النيوليبرالية. ولا يعتبر الهدف من ذلك هو عدم حبس كل متظاهر، ولكن ثني الساخطين عن الاحتجاج في المقام الأول.
وهكذا يعرض على المصريين خيار هوبسون المألوف: ارضخ للامر الواقع المكيف قليلاً من أجل استعادة "الاستقرار"، أو عد إلى الشارع، وشجًع على استئناف الفوضى. فيما أعطت الانتخابات، أياً كانت الفوائد، صلاحيات أوسع للسلطات لقمع المعارضة وتجنيد أشخاص جدد يمكنون الجيش من ممارسة سلوكه الريعي. وبذلك تُصمم الشركة العسكرية على إبقاء ملكياتها وعملياتها بعيداً عن التدقيق العام. لقد كان المنعطف المكيافيلي الحقيقي في مصر هو مدى رضى العديد من الإسلاميين والليبراليين والقوميين والجهات الفاعلة غير المنتسبة عن ملاحظة نمو الإمبراطورية العسكرية الاقتصادية على حساب هؤلاء المطالبين بالتغيير السياسي والعدالة الاجتماعية.
هوامش:
1.“نيويورك تايمز” 17 فبراير 2011.
2. “إيجيبت إندبندنت” 26 أكتوبر 2011.
3. هشام سلام، الإنتقام من عمال مصر، “ميدل إيست ريبورت” 259، صيف 2011
4. شنا مارشال، "الثورة الأخرى لمصر: تحديث المجمع الصناعي-العسكري" “جدلية” 10 فبراير 2012
5. الجارديان” 28 ديسمبر 2011
6. “دايلي نيوز إيجيبت” 26 ديسمبر 2005.
7. الأهرام، 2 أبريل 2005.
8.مارشا بربستين بوسوسناي، "الخصخصة المصرية: تحديات جديدة بالنسبة لليسار"، “ميدل إيست ريبورت” 210، ربيع 1990، ص 39.
9."النقل البحري والخدمات اللوجستية ذات الصلة في مصر"، برنامج ICTSD من أجل تجارة الخدمات والتنمية المستدامة (ديسمبر 2007)، ص 8-9.
10.الخطوط الرئيسية لمشروع دمياط المشترك، مجموعة لويدز (عن طريق شركة نيوزإيدج)، 7 ديسمبر 2007.
11. سامر سليمان، خريف الديكتاتورية (ستانفورد، كاليفورنيا، مطبعة جامعة ستانفورد، 2011)، ص 88-89.
12. عقد لإنشاء شركة جديدة لتحسين أرصفة موانئ محطة الحاويات في موانئ الإسكندرية والدقهلية، 13 مارس 2005.
13. “لوس انجليس تايمز” 16 أغسطس 2010.
14. مصر للنفط والغاز، 47 (نوفمبر 2010) و 50 (فبراير 2011).
15."مصر: ملخص تجاري" (سفارة الملكية الهولندية بالقاهرة، يناير 2006).
16."عرض قطاع الطاقة والبيئة" (سفارة الملكية الهولندية بالقاهرة، أبريل 2008).
17. أشرف غازي، العودة إلى الوضع الطبيعي: كيف تعود الموانئ المصرية الى الروتين القديم، تكنولوجيا الميناء، 7 فبراير 2011.
18. جيف مارتيني وجولي تيلور، قيادة الديمقراطية في مصر، “فورين أفيرز” (سبتمبر – أكتوبر 2011).
19. أسوشيتيد برس، 11 ديسمبر 2011.